‫الرئيسية‬ مقالات العائد المُستحق لاستثمار الوقت – لأنني أحتاج للانتباه للوقت الذي أقتطعه للترفيه والتعلم

العائد المُستحق لاستثمار الوقت – لأنني أحتاج للانتباه للوقت الذي أقتطعه للترفيه والتعلم

إذا دخلت مطعمًا وحصلت منه على طبقٍ فارغ أو أكلٍ لا يُؤكل إلّا لمن ضاع في الصحراء لأيام بلا طعام ولا شراب، هل ستكون مُستعدًا للدفع لقاءه؟ لن تفعل، بل قد تثور وتغضب وتنصح كل شخصٍ تعرفه بألّا يضع قدمه هناك، ستكون هذه التجربة بالنسبة إليك الأولى والأخيرة.

أعطيك مثالًا آخر، هل ستكون مُستعدًا للدفع مقابل طبقٍ في مطعم مُنظم ومُرتب، إن كُنت على علم أن هنالكَ مطعمًا شبيها يُقدم نفس الأكل بجودة أعلى؟ إن كان المطعم أبعد فربما تفعل، إلّا أنه من النادر أن تُخير بين نفس المنتج أو الخدمة مقابل نفس السعر لكن في تفاوت في الجودة فتختار الأقل جودة، بل إنه من الشائع أن تدفع أكثر إن كُنت ستحصل على جودة أعلى أو خدمة أفضل.

حينما يتعلق الأمر باستثمار المال أو استخدامه للحصول على منتج، فإن تقدير القيمة التي يستحقها المنتج مبنية على علاقة المستهلك أو المستخدم به، ومن الطبيعي أن يُقلص الشخص مرات تعامله مع أصحاب الخدمات السيئة أو يوقف علاقته بهم، كما يبدو طبيعيًا للغاية أن يبحث الشخص عن بدائلٍ تُبرر القيمة التي يدفع لقاء أي منتجٍ يحصل عليه، حتى وإن كان استهلاكيًا (الأكل مثلًا).

عندما نتحدث عن المال، فإننا نتحدث عنه كموردٍ محدود وبالغ الأهمية، لكننا نغفل كثيرًا عن موردٍ آخر، مسؤول عن الأول، له أهمية أكبر، مرغوب على الدوام، قيمته كبيرة جدًا، غير قابل لتجديد، هو سيد الموارد: الوقت.

– ماذا؟

لا أعتبر نفسي قارئًا نهمًا، إلّا أن القراءة بالنسبة لي عادة مهمة، ولا أرى نفسي قادرًا على التخلي عنها، أستخدمها لأمرين، التعلم وكذلك الترفيه، إلّا أنها وبطبيعة الحال ليست الباب الوحيد للتزود بالعلم ولا الطريقة الوحيدة للتنفيس عن النفس، الدورات التدريبية والوثائيقيات والألعاب والأفلام وغيرها، سواء أديت لقاءها مبلغًا، أكان ثمنًا للاشتراك (اشتراكات خدمات الكتب والأفلام والتعلم…) أو للمنتج الواحد (كتاب أو لعبة…) أو حصلت علبها بشكلٍ مجاني، من خلال مصادرها الأصلية أو من خلال عروضٍ خاصة، تبقى أيضًا جزءًا كبيرًا من حياتي، وواحدة من أهم ما أقتطع الوقت له.

سواء أديت مقابلًا لما حصلت عليه أم لا، فإن هنالك استثمارًا إضافيًا يأتي بعد ذلك، وهذا الاستثمار هو الوقت بلا شك، عندما أقرأ كتابًا فإني أقتطع له من أنفس مورد أمتلك جزءًا، ولهذا يقال عن أي نشاطٍ لا عائد منه أنه “مضيعة وقت” كيف كان الكتاب؟ “مضيعة وقت ليس إلّا” هل استمتعت بالفيلم؟ “ضيعت وقتي معه”…

إذا ما عُدت بالزمن لبداياتي كقارئ، فإني أجد أكثر ما شكل قوائم تلك السنوات كُتب غير ممتعة أو غير مفيدة، وربما هي من صفات المبتدئ، فعكس الكثيرين، لم تكن لي غاية واضحة من القراءة، هي عادة تكونت وتبثت وتحولت لشغف ونهم بعد ذلك باهتمامي بشكلٍ أكبر بها دون أن أخطط لذلك، أمّا الترفيه، فهو الآخر كان مُجرد نمط حياة تحول بعدها لمجالٍ أحبه واشتغلت به أيضًا، وعندما أنظر لقائمة هذا الأخير (أي الترفيه) فإني أرى قائمة مُثقلة بعددٍ كبير للغاية بأعمالٍ فنية لا هي كانت مفيدة ولا ممتعة.

أما حان الوقت لأكون انتقائيًا؟ لما أجبر نفسي على قراءة كتاب أو إنهاء مسلسل؟ وماذا لو كان الأمر خاضعًا لآلية أعمل بها، بدل أن يكون عشوائيًا؟

– لماذا أجبرت نفسي؟

عندما اشتغلت في مجال ألعاب الفيديو (أو الألعاب الإلكترونية كما تُسمى أيضًا) كُنت أحصل على الألعاب لغرض المراجعة كما أفعل مع الكتب على موقع شانية (تحليل كامل للعبة والحديث عن جوانبها الجيدة والسيئة ومنحها علامة كتقييم نهائي) فكان لزامًا عليّ أن ألعبها حتى وإن كانت سيئة، فأنا أحصل على المنتج من مُطوره مجانًا ولا يحق لي ألّا ألعب سوى أجزاء منه وأتحدث عنه كاملًا، لكن كُنت أحصل على مقابل، ليس اللعبة فقط (حصلت على ألعاب بقيمة من 10 إلى 60 دولارًا وأكثر) بل إني كنت أستلم عن عملي كمراجعٍ راتبًا، فكان ذلك مُبررًا.

هنالك أيضًا شعور معروف بالنقص عندما تبدأ كتابًا ولا تقوم بإنهائه، وكأنه شعور بالذنب، الكثير من أصدقائي القراء يُعانون هذاالأمر، وقد سمعت منهم عبارة “أجبرت نفسي على إنهائه” مراتٍ عديدة، أمّا آخرون، فإنهم يُنهون الكتب أو الألعاب للحصول على تلك الجرعة المتدفقة من الدوبامين إذا ما وجدتَ عدد الكتب التي أنهيتَ وقد ارتفع، أو شطبت أخيرًا على المسلسل الذي أمضيت وقتًا طويلًا وأنت تجاهد نفسك لإنهاء حلقاته الأخيرة.

أقرأ عددًا قليلا (متوسطًا عند البعض) من الكتب، وهذه السنة قرأت عددًا أقل من 35 (أحدد 30 إلى 35 ككتاب لأقرأ كل سنة) والحقيقة أنني بدأت أكثر من هذا العدد وكُنت قادرًا على إنهاء ما تحديت نفسي به وربما تجازوته، لولا أنني قررت ألّا أفعل، إن كُنت سأدفع مقابلًا من وقتي، فالأفضل ألًا يكون على ما لا يستحقه ببساطة، نعم، قد تُشعرني قائمة التحدي الغير مُكتمل بالسوء، إلّا أنها تُشعرني أكثر بالرضى عندما أتذكر أن ما فيها، بُني على اختيار، رغم أنني لا أهتم صراحة للقوائم، إلّا أن كيميائيات دماغي تقول غير ذلك.

لكل شخصٍ مبرر يدفعه لإنهاء ما بدأ، إنه اختيار شخصيٍ، لكن تذكر:

عندما تقول نعم لأمر ما، فأنت تقول لا لأمر آخر

قس ذلك على القراءة أو الترفيه، عندما تُجبر نفسك على قراءة كتاب سيء أو غير ممتع أو ببساطة كتاب أنت غير مهتم به، فأنت تفعل ذلك على حساب كتاب جيد، كتاب ممتع أو كتاب أكثر إفادة، هذا إن لم تمتنع عن القراءة من الأساس، لأن ما تعجز عن إكماله، سيجعل النشاط كاملًا (قراءة أكان الأمر أو مشاهدة أو لعبًا) نشاطًا ثقيلًا غير مرغوب، والعكس صحيح أيضًا.

– الحل؟

بحثُ عن حلٍّ بسيط لهذا الأمر، فكان أقرب ما يُمكنني تطبيقه هو مبدأ باريتو الذي تحدثُ عنه سابقًا، أكبر مقدارٍ من المتعة والاستفادة، أحصلها من العدد الأقل من الكتب، أي أنه مثلًا إن قرأت 100 كتاب، فإن 20 كتابًا فقط تُشكل 80 بالمئة من الفائدة والمتعة التي حصلت عليها، طبعًا ليس شرطًا أن يكون الأمر بهذا الشكل، لكنني أنصحك بالقراءة عن مبدأ باريتو لتعرف أكثر، ربما تجد أن هذا الأمر ينطبق أكثر على المنتجات الترفيهية، يُمكن بلا شك أن تُحصي عدد الأفلام والمسلسلات التي استمتعت بها بشكلٍ كبير للغاية، لكن من الصعب عليك أن تُحصي كل ما شاهدت، ما أبحث عنه هنا، هو الزيادة فيما يحقق لي أكبر قدر من المتعة أو/و الفائدة، ولا يُمكن فعل ذلك سوى بإزالة عددٍ ممّا أنا غير مهتم بقراءته، لعبه أو مشاهدته.

🔗 مبدأ باريتو 20/80 وكيف يُمكن أن يُغير حياتك ويُحسن نتائجك

من الصعب تطبيق مبدأ باريتو رغم ذلك على منتجات ترفيهية أو تعليمية، لأنه عليّ مشاهدة أو قراءة العمل الأدبي/السينيمائي بشكلٍ كامل لأحدد الأجزاء المهمة منه، لكن ما يُمكنني القيام به، هو أن أستخدم أمرًا مُختلفًا، أن أتذوق القليل قبل أن أحصل على الطبق كاملًا، ووجدت أنها طريقة جيدة للغاية، جربتها، أصلحت بعضًا من عيوبها، وسأعمل على تطويرها أكثر، والنتيجة كانت ممتازة للغاية.

ما أريد أن أصل إليه، هو طريقة تسمح لي بمعرفة ما إن كان ما بين يديّ يستحق ما سأعطيه من الوقت، أو ما إن كان عليّ الانتقال لشيء آخر، أو في حالات آخرى، ما إن كان المكان الذي وصلت إليه مهمًا، أم أنني قادر على تجاوزه دون أن أضر بفهمي للعمل.

هذا المقال كتبته للحديث عن التجربة بشكلٍ عام، أمّا الطريقة التي اعتمدت، فهي موضحة بشكلٍ أفضل في مقال آخر.

ℹ هامش

Icons made by Freepik from www.flaticon.com

أعجبك المقال والمحتوى؟ ابق قريبًا من شانية

📌 توصل بتحديثات الموقع وجديد المقالات والمحتوى عبر بريدك

⚠ يمكنك إلغاء اشتراكك لاحقًا في أي وقت بضغطة زر
اشترك
نبّهني عن
guest

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments