الحدس وما يُولد من أحاسيس – صوت الهمس الذي قد يُساعدك كثيرا في حياتك
لا شيء يثبت على حاله، وحتى بالاعتياد على روتينٍ مُحدد، لا شيء يضمن لك أن يدوم تأثيره، ومن أدمن التغيير يعلم تمامًا أنه في البداية، يكون صعبًا اكتساب عادات جديدة، لكن بعدها لا يُمكن التوقف عن التغيير عليها، التبديل بين العادات ومحاولة تقييم نتائجها للتعامل معها بشكلٍ مختلف في المستقبل، ويبقى الكثير ممّا تقوم به بعدها مُتعلقًا بشكلٍ أساسي بالتخطيط والتحليل، ويُدفع بالحدس الذي يراه الكثيرون في عالمٍ متحضر وحديث، مُجرد آلية بدائية جدًا لاتخاذ القرارات، بعيدًا.
– الحدس؟
[!] هذا التعريف خاضع لتجربة شخصية ومعلومات مشتتة وليس مرجعًا علميًا أو متفقًا عليه لتعريف أو وصف الحدس.
الحدس ليس سوى واحد من القدرات الخفية للدماغ، صحيح أن الكثيرين يربطونه بالغريزة، إذ أنه شعور لا يبدو أن الشخص قادر على تدريبه، وهو كالخوف وغيره موجود على الدوام، لكن يُمكن أن يقل أو يتضخم تأثيره لأسبابٍ عديدة، وبما أن جزءًا كبيرًا منه معتمد على قدرة الدماغ العظيمة على جمع البيانات وتحليلها على الدوام لتوليد أوامرٍ غير مباشرة (فورية في العادة) ينقلها لك عبر الأحاسيس التي تشعر بها باتجاه الأشياء والأشخاص، فإنه قد لا يكون مهمًا لأصحاب التخطيط والتفكير التحليلي، فالحياة الآن أكثر تعقيدًا ممّا كانت عليه، وهنالك أكثر من طريقة لفعل أكثر من شيء، ولعلّك إن كنت متابعًا لي أو لموقع شانية، تعلم أن الكثير ممن يسوقون لأعمدة النجاح يتحدثون كثيرًا عن التخطيط وتحليل البيانات وبعدها إعادة التخطيط بناء على كل ذلك، فلم يعد للحدس مكان كبير، فالقرارات أصبحت في غالبها مُخططًا لها، وقليل من الناس فقط يثقون بالإحساس الذي يتولد لديهم اتجاه بعض الأشخاص أو الأشياء.
يتطلب استخدام الحدس أن تكون مستمعًا جيدًا، ويُقال أنه إن سألت وأنصت، سيعمل حدسك على دفعك باتجاه الطريق الصحيح، في الحقيقة، أرى أن الأمر معقد جدًا للغاية فهو يجمع بين:
– قدرة الدماغ على دفعك باتجاه اختيارات قد يبدو لك أنك اخترتها بعشوائية، إلّا أن الجزء اللاواعي من الدماغ يحمل ملايين المعلومات التي تُحلل على الدوام، وجسدك قادر على ترجمة الكثير من هذه البيانات عبر ما تشعر به بارتياح أو انزعاج في أعضائه، فالحدس يُربط عند البعض بشعور غريب في منطقة الصدر أو البطن، كما يُربط بشعور بالارتياح أو الامتلاء أو كأن هنالك طاقة منقبضة في صدرك.
كما يُمكن أن يكون عبارة عن شعور بالارتياح أو العكس اتجاه التواجد رفقة أشخاصٍ معينين أو اتجاه أشياء محددة حتى ولو كنت تتفاعل معهم أول مرة، وعبارات “أشعر بعدم الارتياح اتجاه هذا الأمر” أو “أنا أتق بحدسي وحدسي يخبرني أن أبتعد عن هذا الشخص” أو حتى عبارة “لدي شعور أن هذا الشخص قد لا يكون أهلا للثقة” قد لا تكون سوى دماغك الذي حلل مئات البيانات التي يملك لمواقف عشتها، سمعت عنها، أو كنت شاهدًا على أجزاء منها ولاحظ تشابهًا في هذه المواقف، حتى وإن لم تكن تتذكرها، لذا قد يصدق الحدس وقد لا يفعل.
– قدرة الدماغ على إعادة تصنيف وتنظيم المعلومات، استخدم شيئا بكثرة وسيكون دماغك قادرًا على تذكر تفاصيله بشكل أسهل، افعل العكس وسيبدأ ما تعلمت بخصوصه يتلاشى، خذ تعلم لغة مثلًا، ركز عليها وستتحسن مهاراتك، افعل العكس ويُمكن أن تصل للدرجة التي تشعر فيها أنك تفقد اللغة، ليس شرطًا أن يبدأ الدماغ بالتخلص من المعلومات المتعلقة بها، لكن قد يحتاج لتحفيز أو وقتٍ لاسترجاعها، ومن الخصائص الرائعة للدماغ، أنه قادر على مساعدتك بشكلٍ كبير في بلوغ الأهداف.
هل واجهت مثلًا موقفًا تعلمت فيه كلمة جديدة فتجد أنك أصبحت تظهر لك في كل مكان؟ أو ترغب باستبدال هاتفك بهاتف جديد فيُصبح كل ما تراه هو هاتف تريد استخدامه، في اللاوائح الإعلانية ولدى المتاجر وعند الأشخاص وقد تجد واحدًا للبيع بسرعة كبيرة، وقد تصل للحد الذي ترغب فيه باتخاذ قرار فتصل للأشخاص والمواقف التي تُساعد على فعل ذلك وتعتقد أن ذلك محظ صدفة، في حين أن للدماغ قاعدة بسيطة، تركيزه سيتوجه لما تعتقد أنه مهم بالنسبة لك، أو بالنسبة له في حال ما كنت تعيش بشكلٍ روتيني وعادي، وفرص ضياع الفرص ستكون أعلى بكثير، لهذا في مجال تطوير الذات تُستخدم الكثير من الأساليب لتحويل تركيز الدماغ ومنها التوكيدات الإيجابية، التي يعتقد البعض أنها تُساعد على إرسال رسالة للعالم ليُساعدك على تحقيق أهدافك، في حين أنها رسالة لدماغك لتغيير طريقك.
أعمل أنه إن بحث عن الحدس، ستجد أكثر من تفسير، بعضها وواضح وعلمي، وبعضها يميل لأن يكون خياليًا، وتفسيري في الأعلى ليس الأفضل وأنا أعلم ذلك، لكنني أرغب بإبقاء الأمرو بسيطة، وبما أنني أرغب بربط الأمر بتجربة شخصية تكون واضحة أبني عليها حكمي النهائي، ففضلت ألّا أخوض في أمر تعريفه كثيرًا، لذا يُمكن أن تبحث عن المزيد من المعلومات بعيدًا عمّا تذكرت، وربما تعود لاحقًا لتتبع رحلتي البسيطة ومعرفة نتيجة تجربتي الشخصية هذه، ولما لا القيام بشكلٍ شبيه ونقل تجربتك، سيسرني ذلك بشكلٍ كبير.
– كيف أتأكد من أن ما أشعر به هو حدس؟
لا أعلم صراحة كيف يُمكن أن أبسط هذا الأمر، فربما قد خلطت هنا بين أكثر من شيء، أخبرتك بكون الحدس في الغالب هو شعور واضح، وأظن أن أسهل طريقة للحديث عن الحدس هي بالعودة للصورة “الغير واقعية” له، إنه الصوت التي يُرافقك ويُحاول أن يهمس لك بما عليك القيام به إذا تعلمت كيف تُصغي بالشكل الصحيح، تذكر أنني مازلت أتحدث عن واحدة من خصائص دماغك، الحدس لا يخضع للمنطق أو التحليل، لذا يكون اتخاذ القرارات بناء عليه فوريًا، أي أن الشعور يكون مباشرًا وليس لأن لك تجربة واضحة بالضرورة مع هذا الشيء أو ذلك، يكفي مثلًا أن تسمع عن شيء أنت مهتم به وتتولد لديك فكرة فتقرر بناء عليها تجربة مهارة جديدة أو القيام بشيء يشكلٍ مختلف، لم تُخطط، لم تبحث، الأمر حدث كهذا وحسب لأنه كان لديك شعور جيد باتجاهه، ولن تحتاج لشيء إضافي لتتعرف إليه.
ليس ضروريًا أن تعرف كيف يعمل الحدس بشكلٍ كامل، ولا أن تصف كل شعورٍ على أنه حدس، فأنا أستخدم الكلمة الأقرب لما أريد أن أخبرك به، ويبدو لي أن كلمة الحدس هي الأوضح إذا أردت مقابلًا للتفكير التحليلي المعتمد بشكلٍ أكبر على البيانات التي تُحللها بشكلٍ واعٍ.
يرتبط الحدس كثيرًا بأفكارٍ بدون تخطيط، ركز فقط على ما تشعر به حيال الأشياء والأشخاص، وليس ما تفكر به، يُمكن أن أبسط الأمر بالقول، ركز على “أشعر بكذا اتجاه هذ الأمر” أو أشعر بشيء عندما أسمع عن هذه الهواية أو ما يقوم به هذا الشخص” أكثر من تركيزك على أشياء من قبيل “أنا أريد أن أكون كذ”ا أو “أحصل على هذا الأمر” أو “لدي فكرة رائعة عن هذا الأمر” أو ما يستخدم قدرة دماغك على التحليل، وإن لم تكن تكتب الأهداف وتخطط ليومك وتكتب قائمة مهام، ففي الغالب أنك تعتمد بشكلٍ كبير على الحدس وأحاسيسك في القيام بالأشياء واتخاذ القرارات.
– مالغاية من اعتماد الحدس
كما ذكرت في موضعٍ سابقٍ من هذا المقال، الحدس يُمكن أن يكون مفيدًا إن كنت قادرًا على الانصات بشكلٍ مختلف لدماغك وللأحاسيس التي تتولد لديك عند التفاعل مع ما يحتويه هذا العالم، وربط ذلك بشكلٍ مباشر بقدرة الدماغ على إعادة ترتيب وتصنيف المعلومات ومساعدتك على تحقيق الأهداف بتحليله لبيئتك والتركيز على الفرص التي ستبدو لك على أنها صدف أو مجرد حظ عابر.
الشعور بشكلٍ جيد اتجاه فكرة رغم أنه لا يبدو أنك قادر على تحقيقها قد يكون طريقك لشيء لم تكن تحلم بالقيام به، فقد اعتقدت أن افتتاح موقع شانية سيكون أمرًا رائعًا، وبالتركيز على ذلك، سرعت عملية تنفيذ الفكرة في وقتٍ لم يكن لدي ما أغطي به في الحقيقة تكاليف موقع من البداية، وفكرة الموقع كانت في البداية أن يكون مدونة وحسب، وانتقل لشيء أكبر ومازال يكبر، وأنا مسرور أنني وتقت في شعوري وركزت على الفكرة، وإلّا لما كنت أتحدث إليك عبره من خلال هذا المقال.
– كيف أعتمد على الحدس ودماغي لتحقيق أهدافي؟
مازلت أرى أن التخطيط وكتابة الأهداف وتحليل البيانات أفضل ما إن كنت ترغب ببلوغ هدفٍ واضح ومُحدد، إلّا أنه يمكن استخدام الحدس في حالات كثيرة، كحالة التيه التي تُصيب بعض الأشخاص بعدم معرفتهم مالذي يرغبون بالقيام به تحديدًا في حياتهم، أو يمتلكون حلمًا لكنهم غير قادرين على إيجاد بداية الطريق، حيث أن الانجذاب الطبيعي للأشياء والأشخاص والانصات لصوت الهمس الذي يخبرك بالقيام بهذا الشيء أو ذلك أو الشعور الغريب في البطن أو الصدر يمكن أن يوجهك نحو الشيء الناقص.
كما يكون الاعتماد عليه كما هو الأمر فيما أريد القيام به هو لسبب أنك تُعاني من حالة من التشتت ولديك أكثر من هواية واهتمام وتريد الفصل بشكلٍ نهائي في الأشياء التي ترغب في إبقائها هواية والأشياء التي ترغب بجعلها عملًا أو تطورها إلى الحد.
قد تتساءل لما تحدث عن هذا الأمر، ببساطة لأنني أرغب بالتخلي عن القوائم والتفكير الواعي والحليل لبعض الوقت، وسأحاول أن أرى أين يأخذني ذلك، وفي هذه المقالة ستجد كيف فعلت ذلك، ولك الحرية في القيام بالمثل، أو متابعة رحلتي وأنا أجرب هذا الأمر.