مراجعة رواية: عساكر قوس قزح
من إندونيسيا، هذا الجانب من الكرة الأرضية الذي لم أقرأ من أدبه سابقا، حصلنا على رواية عساكر قوس قزح، رواية مجَد من خلالها الكاتب العلم، وأهدى سطورها للمعلم، الرواية تنقل ثقافة كاتبها أيضا، لذا هي أكثر من رواية.
– معلومات الكتاب
– الكتاب: عساكر قوس قزح
– النسخة الإنجليزية: The Rainbow Troops
– النوع: رواية واقعية – أحداث حقيقية
– الأدب: الاندونيسي – الآسيوي
– تأليف: Andrea Hirata
– ترجمة: سكينة إبراهيم
– عدد الصفحات: 274 (النسخة العربية)
– دار النشر: دار المنى
– تاريخ النشر: 2005 (النسخة العربية)
– الكتاب على GoodReads: إضغط هنا
– المحتوى
الرواية تمجيد للعلم، للمدرسة والمعلم، وتحكي قصة مجموعة من التلاميذ ورحلة الشقاء التي يعيشون يوميا لمجرد الوصول لمدرستهم، القصة رحلة ثقافية تأخذ القارئ لجزيرة بيليتونغ الاندونيسية وتدور الأحداث حول مكافحة معلِّمَين يُدَرسان مجانا، وعلاقتهم بمدرستهم الفقيرة التي تتعرض مرارا وتكرارا لخطر الفناء، وكيف يتعرض التلاميذ لصعوبات تجعل طلب العلم مهمة صعبة وشاقة.
المدرسة تحتاج لعدد مُحدد من التلاميذ لتُبقي أبوابها مفتوحة، وفي مجتمع فقير، يفضّل الأهالي إرسال أبنائهم للعمل لإعالتهم، اختار جزء منهم أن يكون العلم في مدرسة المحمدية القائمة على التعاليم الاسلامية طريقا يضمن لهم مستقبلا مختلفا، ذلك لن يكون سهلا أبدا، بكل الصعوبات والعراقيل التي يواجهون، مع معلمين ضحيا بكل شيء لدعم العلم في مجتمع مازال يُمجد القوى الخارقة للشامان وقائما على الأسطورة.
القصة تحكي قصة التلاميذ في رحلتهم للتعلم، علاقتهم بالعلم، والعالم الذي يعيشون فيه، في مكان منعزل عن هذا العالم، على جزيرة ظاهرها الغنى، وباطنها الفقر والمعانات.
– تحليل المحتوى
سبق أن قلت أن الرواية تمجيد للعلم، وهي كذلك من جوانب عديدة، انطلاقا من كونها إهداءً خاصا من الكاتب لمعلميه، وحقيقية يستطيع الواحد أن يلمس مقدار النعمة بأنه استطاع أن يتعلم في ظروف أفضل، عكس شخصيات الرواية التي قطعت بعضها كيلومترات في أقسى الظروف، وبعضها (أي الشخصيات) توجب عليها المرور على مستنقعات التماسيح، أو غادر بعضها لأنها تعيل عائلة من أكثر من عشرة أفراد.
سريعا ما يتعلق القارئ بالشخصيات، ويحب المعلّمَين، ففي أي عالم يبيع فيه معلم عجوز الخضر ليشتري لتلاميذه مستلزمات المدرسة، وتفعل معلمة شابة الأمر ذاته بأن تخيط وتبيع ما تخيطه لأنها تُعلم بالمجان، والحقيقة أن العدد المحدود والمحدد للشخصيات ساعد كثيرا على التعلق بها، وأصبح يسيرا جدا معرفة المُشاغب منها، والمجد والذكي والذي يُصدق الخرافة وغير ذلك.
الرواية تعتبر أيضا رحلة ثقافية، فهي تعكس جانبا من حياة سكان الجزيرة المختلط، وهذه أول مرة كنت قريبا منها من المجتمع الاندونيسي بهذا الشكل، على الأقل ما له علاقة بهذه الجزيرة العجيبة التي تختلط فيها الشعوب والثقافات وحتى المعتقدات، ويوجد بها ما يكفي لأخذ فكرة عن هذا المجتمع، من مناسبات وطقوس وحتى أماكن وأنماط عيش وغير ذلك، وقد تم استخدام بعض المصطلحات باللغة الأصلية مع ترجمة لها، ما يُساعد على الانغماس في الرواية.
بخصوص الأحداث، فهي منقسمة لأحداث كبيرة ومهمة، متعلقة عادة بوضع المدرسة، وأحداث أخرى أبسط واقل تأثيرا متعلقة بالتلاميذ، لذا تعتبر القصة قفزات عبر الزمن، حُب لأول مرة، معانات لإبقاء المدرسة مفتوحة، وقوف ضد الاضطهاد، مغادرة المدرسة لظروف قاهرة، مشاركة في الكرنفال، مغامرات لزيارة شامان خارق، القليل من الضحك وغير ذلك.
الرواية لم تكف عن نقل العديد من القيم الانسانية، بعضها مرتبط بالدين، لكن بعضها متعلق بالحياة، وأظن أنها هدية لكل معلم مجد ومستعد لأن يضحي لألا تنطفئ شعلة العلم.
– كيف قدم المحتوى
القصة تُحكى من خلال ضمير المتكلم، واعتمد الكاتب كثيرا على السرد، الوصف يساعد قليلا على فهم الأحداث أو شكل الشخصيات، أحيانا يكون مفصلا، وأحيانا يكتفي الكاتب بالأهم، ولعل ذلك جيد جدا، على الأقل حسب ما رأيت، الرواية غنية بالأحداث الصغيرة هنا وهناك، مع أحداثٍ كبيرة هي المحرك لكل شيء.
أسلوب الكاتب بسيط، بسيط جدا، بل أنه يعاني حتى من بعض المصطلحات المبتذلة والركاكة في الكثير من أجزاء الرواية، أمر غير مؤثر لحسن الحظ بما أن الكاتب يكتفي بالحديث عن الأحداث دون أن يحاول أن يُزين أو يجمل أو يتعمق في الوصف، لاحظت أيضا بعض التفاوت في جودة السرد، أحيانا يصير متعثرا ثقيلا، وأحيانا سريعا ومتسلسلا، وبالتعمق في ذلك أكثر وجدت أنه متعلق بالضرورة بالأحداث ونوعيتها.
[perfectpullquote align=”right” cite=”” link=”” color=”” class=”” size=””]روح العطاء هي أن نُعطي بقدر ما نستطيع وألا نأخذ بقدر ما نستطيع[/perfectpullquote]الرواية مقسمة على شكل فصول، وهذه الفصول تختزل أحداثا متفرقة، أي أن الرواية مكونة من أحداث رئيسية هي التي تدفع بالقصة الرئيسية من البداية حتى النهاية، أما الأحداث الصغيرة فلها بداية ونهاية، ولا تؤثر على القصة العامة.
الترجمة جيدة، وهنالك تنويع ممتاز في نوعية المصطلحات الموظفة، وفي مواضع كثيرة كنت معجبا بعمل المترجمة لما قامت به من مجهود في التغلب على الركاكة والتكرار بالتلاعب بالمصطلحات، طبعا ذلك لا يغطي على الجوانب التي سبق أن تحدث عنها كالركاكة.
بعض الكلمات أيضا مترجمة بمصطلحات لم أستطع إيجاد شرح لها، كأصناف النباتات والكائنات الحية وغيرها، وكنت مسرورا أن الكاتب حاول أن يشرح حسب المستطاع كل شيء يبدو خاصا بثقافته، رغم أنني أحببت كثيرا التعمق في بعض المجالات ولم أجد شيئا بخصوصها، فإما أن تكون مشكلة ترجمة، أو مشكلة متعلقة بعدم توفر المحتوى ببساطة.
– لقراءة أفضل
أسماء الشخصيات قد يصعب تذكرها، ورغم أن الكاتب يعطي أوصافا لها ليساعدك لتذكر أن الشخصية ألف هي التي تتميز بالشيء باء، فإنه من الصعب أحيانا تذكر الشخصيات بالشكل الصحيح، لو عدت للصفحة 38 وما بعدها، فهنالك ذكر للشخصيات وذكر لأوصافها، يمكن أن تأخذها كدليل، وكما ذكرت سابقا من حسن الحظ أن الشخصيات في الرواية محدودة.
– ملخص لما قيل
الرواية كانت ممتعة، الأسلوب ظلمها أحيانا، وهنالك تفاوت في جودة السرد، لكنها كانت مدخلا جميلا لثقافة أنا غريب عنها بشكل كامل، وذلك لأسباب عديدة منها أن كمية الأعمال الأدبية التي تصلنا من اندونيسيا تكاد أن تكون معدومة، بل هي كذلك، إذا أن هذه هي أول رواية من هناك تُرجمت للعربية، وفي الغالب، هذا ليس بالبلد الذي يتواجد على الواجهة، لذا كنت سعيدا حقا أن أقرأ الرواية، بعيدا عن القصة، لأنها واجهة ثقافية.
الرواية تحصل مني على تقييم 4/5 بدون أن علامات إضافية، وتحصل مني على وسامين، الأنيس، لأنني استمعت بها وأنا أقرأ، بالإضافة لخير جليس، وذلك لأنها ساعدتني على معرفة القليل عن ثقافة غريبة، ولفتت انتباهي على أنني أختار غالبا معرفة المزيد عمَا أعرف، في حين يجب أن أنقل اهتمامي لمعرفة القليل عمَا لا أعرف أصلا.