‫الرئيسية‬ مقالات صناعة اللآلئ – عن الإتقان والبراعة

صناعة اللآلئ – عن الإتقان والبراعة

ليس كل المحار يُنتجُ لؤلؤًا، وليست كل اللآلئ ثمينة، ولا أحد يُمكنه أن يصنع لؤلؤة في يومٍ، وحتى إن كان الإنسان قادرًا اليوم على مُساعدة المحار على إنتاج اللؤلؤ، فإنّ اللآلئ الطبيعية تحتاج لسنواتٍ لتتكون، هي ليست بديعة في مظهرها فحسب، ولكنّها نادرة، ففي كل 10 ألآف محارِ لؤلؤٍ توجد لؤلؤة واحدة*، ثمينة، دائرية وملساء بشكلٍ يجعلها واحدة من أعجب وأجمل ما في هذه الأرض.

الإتقان

يُعجبني مبدأ الإتقان، وتُعجبني البراعة، لكن ما يُوصل إليها مُجهد ومرهق، والصبر بلا شك ميزة من يتُقن العمل ويُجيده، ويبرع في حرفته وعمله، فتجد قلّة قليلة فقط ممن لديهم هذا الصبر، ولديهم الإرادة الكافية للتخلي عن الكثير من الأشياء الرائعة لبُلوغ الأشياء العظيمة، إنهم لا يُنتجون اللآلئ فقط، بل يُنتجون أفضلها وأحسنها وأجودها، فينطبق عليهم القول:” كن بارعًا إلى الحد الذي يُصبح من الصعب عليهم تجاهلك.“

عندما بدأت مُحاولة تصحيح مساري في هذه الحياة، وجدت أنّي أعاني من ثلاث مشاكل تُعطل نجاحي، واحدة منها كانت المثالية، وقد وجدت أنه لتصحيح ذلك أو تقويمه، يُمكن النظر للبحث عن المثالية كالسعي نحو الإتقان، وكانت بلا شك هذه نقطة انطلاق جيدة للغاية.

🔗 ثلاثة أشياء سأتخلص منها لتحقيق المزيد من النجاح (المثالية – التعقيد – التشتيت)

الوقت مورد محدود، وكذلك الطاقة التي نمتلك، والحديث ليس عن الطاقة الجسدية وحسب ولكن ما تعلّق بما نمتلك من طاقة متعلقة بقدرات الدماغ والحالة النفسية وكذلك قدراتنا الإبداعية، كل شيء يجب أن يدار بشكلٍ جيد، بتركيز كبير على المهم، ولعلّك ترى أين يأخذنا هذا الأمر، التركيز على الجودة في الأعمال دون الكمية، فمثال المحار لا يعود على الوقت الذي تحتاجه اللؤلؤة لتتشكل فقط، ولكنه يرمز أيضًا لنُدرتها وجمالها، وكيف أن اللؤلؤ يبقى ثمينًا ومرغوبًا، لامعًا ومطلوبًا.

البراعة

قدرة المحار على إنتاج اللؤلؤ قدرة تدعو للتفكر بلا شك، لكن عكس المحار، فإنّ قدرتنا على إنتاج ما يُفيد ويلفت -أي أننا أحسنا صنعه بحيث يكون نافعًا، وأبدعنا في ذلك بحيث تكون جودته ملحوظة- هي قدرة مُكتسبة، تتأثر بدرجة كبيرة بالخبرة وتكرار العمل بنواقصه، وتصويب الأخطاء الواضحة، فالإتقان لا يأتي من مجرد رغبةٍ في ذلك، ولكن يأتي بالصبر والتعلم، فيكون لهذا الأمر قطبان، كيف أريد أن يكون ما أعمل عليه، وما أنا مستعد لاستثماره فيه، والاستثمار يأتي على شكل مواردٍ سبق أن بيت نوعها في الأعلى.

اللؤلؤ

عندما تجمع الأمرين، ستجد أنه من المهم للغاية أن تُركز بشكلٍ كبير على عملٍ واحد، وأن تبنيه في استقامة، يُمكنك أن تستغل الموارد التي ستبني بها هذا العمل في عملين، أو ثلاثة أو أكثر، لكنك لن تغدو أكثر من مجرد شخصٍ بإنتاجٍ شبيه بعددٍ كبير للغاية من الأشخاص، وأرى ذلك كثيرًا في الأعمال الفنية والأدبية، فكم من الأفلام والكتب تُنتج كل عام، وكم العدد الذي ينجو من المقارنة والتسخيف بسبب مستواه.

وطبعًا، هذا العمل الذي ستُركز عليه سيأتي بتحدياته ومشاكله وعثراته، وهنا يأتي الأمر الآخر، التعلم والاختبار والتجربة، والأفضل بلا شك أن تأخذ الوقت لجعل عملك مميزًا وبأفضل شكلٍ ممكن، فلا تنشره إلّا وأنت راضٍ عمّا قدمته، وستكون بذلك قد أصبت الإتقان فيما عملت عليه، وكُنت بارعًا بما اشتغلت به.

المثالية

أنت تعلم أن اللؤلؤ ثمين لأنه لا يعوض، لكن هنالك في هذه الأرض نفائس كثيرة، بعضها يتشابه، البعض يختلف، قيمة البعض في ندرته، وقيمة الآخر في صناعته، والبعض الآخر قيمته لا تكتمل إلّا بتدخل الإنسان، وإن بحث في كل واحدٍ لوجدت عيوبًا كثيرة جدًا، لكن ما يغلب هو الانطباع، والجمال والتفرد، وهكذا سيكون عملك في الغالب، لا تسعى به إلى الكمال، وتبحث عن المثالية فيما تفعل، صحح أخطاءك الظاهرة، وأنتج بالذي لديك، فالتطور والتقدم لا يأتي بالتمني، ولكن بالجد والعمل، وما ينقصك اليوم قد تكون قادرًا على الاستغناء عنه أو البحث عن بديل له، أو الحصول عليه لاحقًا، والمهم ألّا تقارن نفسك بقدراتك المحدودة بمن سبقوك بأشواطٍ عديدة، ولا تُقارن قيمة عملك بالإقبال عليه فقط، فانتشاره قد يكون متعلقًا بسوء تسويقك له فقط، الإتقان ليس هدفًا تصله وتتوقف، الإتقان له أوجه كثيرة أنت وطبيعة عملك ستُحددها.

تعليق شخصي

كتبت هذا المقال بعد قرار اتخذته، فعندما توقفت عن القيام بالعديد من الأشياء كما ذكرت في مقالٍ سابق، لم يكن لي سوى أن أنتبه أنه رغم ما أُنتج، فإني مُشتت في الغالب، أنتقل بين أكثر من فكرة ومشروع، الكثير منها غير مكتمل ولا أعتقد أنه سيكتمل، خذ جولة في الموقع وسترى ذلك بنفسك، هذه مشكلة ظاهرة ولا حاجة لإخفائها، فكم من مرة ركزت على الكم فوق الجودة، ولعلّي جنيت ثمار ذلك بما يكفي، فقررت أن يكون تركيزي على القليل، وأن أشتغل عليه للدرجة التي أكون فيها عليه راضيًا، قد لا أكون قادرًا على صناعة لؤلؤة في كل مرة، لكن إن كُنت في النهاية قادرًا على إبقاء أثرٍ واضح، فسأكون سعيدًا بذلك، صحيح أنني أرغب بأن أصل لحد الإتقان، لكن لن يجعل ذلك يُعميني عن حقيقة أن كل عملٍ جديد سيأخذ الوقت والكثير من التعلم، وقد لا أوفق من المشروع الأول، لكن سأحاول وأكرر المحاولة.

مواقع التواصل ومحركات البحث وغيرها جعلتني أنا الآخر واحدًا من كثيرين يتشابهون في الطريقة والمُحتوى، فلِتنجح، تحتاج لمُطاردة محركات البحث وطرق فرزها وأرشفتها للبيانات، بعضها يُركز بشكلٍ كبير على عدد ما تنشر، ومتوسط مرات النشر، كما أني شخصٌ يُحب الكثير من أنواع المُحتوى، فاختلط هذا بذلك وجعلني أتوه بين أكثر من عملٍ ومشروع، وحتى إن كُنت راضيًا بشكر كبير عن الكثير ممّا قمت به، فقد وجدت أن الكثير ممّا أنتجت ونشرت، ليس سوى إشباعًا لرغبتي المتواصلة في تحقيق النجاح وترك أثرٍ واضح معه، ولا أعتقد أنني حتى الآن نجحت لا في هذا ولا في ذلك.

لك أنت

إن قرأت القال إلى هذا الحد فآمل أن تأخذ مني هذا، لا تجعل حماسك يغلب على رغبتك في جعل ما تعمل عليه مُتقنًا، وإن كُنت شخصًا مُنتجًا في مجاله، فابحث عن طرق تجعل منك شخصًا أفضل، شخصًا يُعرف ببراعته واتقانه، وصدقني، أبواب كثيرة ستُفتح لك إن أنت فعلت ذلك، قد لا تكون مستعدًا لاستثمار الوقت والجهد والمال في عملٍ واحد، لكن النتيجة في الأخير ستستحق كل العناء، فالأعمال الصغيرة غير المكتملة، ليست سوى طريقة سريعة للحصول على بعض النشوة التي ترجوها بحثًا عن النجاح.

إن كُنت قادرًا على آخذ هذا المبدأ والعمل به، أي الاتقان، فأنا أريد منك أن تبحث أيضًا عن ترك أثرٍ بشكلٍ ما، علّم مهارة إن استطعت، اكتب كتابًا، افتح مدونة، اصنع شيئًا، حتى وإن كُنت منتجًا في مجالك بشكلٍ يكفيك، اجعل لنفسك هدفًا بأن تصنع أنت الآخر لؤلؤتك الخاصة.

ℹ هامش
* Formation of a Pearl | Secret Life of Pearls
Icons made by Freepik from www.flaticon.com

أعجبك المقال والمحتوى؟ ابق قريبًا من شانية

📌 توصل بتحديثات الموقع وجديد المقالات والمحتوى عبر بريدك

⚠ يمكنك إلغاء اشتراكك لاحقًا في أي وقت بضغطة زر
اشترك
نبّهني عن
guest

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments