أنا أكتب رواية بقاء: إلى ماذا تحتاج قبل بدء كتابة القصة؟ (جزء 2)
مضت أشهر بعد أن بدأتُ كتابة روايتي التي طبعتُ عليها اسم “وشمُ الذئب” كعنوان مؤقت، وقد تقدمت بشكلٍ لا بأس به، بنيتُ أجزاء من العالم بالشكل الذي أردت، واستلهمتُ الكثير من الواقع والخيال، وإن كان المقال السابق هو المنطلق –مُنطلق الرحلة – فدعني أكتب هنا عن منطلق رحلة الرواية، أي القصة نفسها، فقد تكون مهتمًا بتحديثاتي هذه لأنك تُريد كتابة رواية أنت الآخر، بنفس التصنيف، أو تصنيف شبيه أو مختلف.
💬 لديك سؤال بخصوص روايتي أو كتابة الرواية؟ اترك لي تعليقا في الأسفل.
تابع رحلة كتابتي لرواية وشم الذئب بالضغط هنا.
– ما قبل الكتابة
لم أقرأ الكثير عن كتابة الرواية، بضعُ مقالات، وهذا حديثًا عن روايتي الأولى، وأُتبعها الثانية ولم أزد على ذلك شيئًا، أخذت بعض الدورات في الكتابة، وخاصة فيما يتعلق بكتابة الشخصيات، وكان أكثر ما اعتمدت عليه في كتابة روايتي الأولى، وكذلك روايتي التي أعمل عليها حاليًا، هو قدراتي في الكتابة دون تطوير يُذكر.
سواء أتعلق الأمر بالقراءة أو الكتابة، أحاول ما أمكن أن أترك النشاط (نشاط الكتابة أو القراءة) بسيطًا، وأطبق هنا مقولة الطبيب والمؤلف “أوليفر ساكس” التي أكاد أدرجها في كل حديث متعلق بالقراءة والكتابة “الطريق للفعل هو الفعل” والطريق لكتابة رواية هو كتابة رواية، لذا دون أن أبحث عن طريقة كتابة رواية بقاء في عالم ما بعد الكارثة، قررت أن أجلس وأكتب، وأزيدك، لم أقرأ في هذا النوع أي رواية عربية، ولم أكتب في هذا النوع شيئًا سابقًا كقصة قصيرة، رغم أن واحدة من رواياتي المنسية كانت من نفس التصنيف رغم أنها كانت رواية رعب كتصنيف أساسي كُتبت مبنية على فكرة صديق.
فهل ستحتاجُ لشيء قبل أن تكتب أول سطور روايتك؟ الأمر عائد لك، إن كنت قارئًا فقد تفاجأ بسهولة الكتابة، لكن قد تحتاج للمحاولة عبر قصص قصيرة، لكن إن سألت هذا السؤال فإجابتي ستكون، المسودة الأولى اكتبها بقدراتك الحالية، وحسنها مرارًا وتكرارًا، فذلك أفضل من انتظار بناء المهارة والعادة كذلك.
– متى تبدأ الكتابة؟
أجبت عن السؤال أعلاه، تكتب عندما تقرر أن تكتب، لكن من الجيد امتلاك بعض النقاط التي تُساعد، فلم أبدأ شخصيًا كتابة روايتي إلّا ولدي تصور عام عن العالم وبعض الشخصيات، خاصة الرئيسية منها، وعندي فكرة مشوشة عن النهاية، إلّا أنني أريد أن تكون الأحداث غنية بالتفاصيل، فقد ذكرت في مقالي السابق أنني أريد أن تكون هذه الرواية تحديًا على كل المستويات، وفي اعتقادي، إن كُنت تمتلك فكرة عامة عن الرواية التي تُحاول كتابتها، وشيئًا من الوضوح بخصوص الشخصيات الأساسية وربما النهاية، فلست بحاجة لامتلاك أكثر من ذلك لتبدأ الكتابة، لا تُضيع المزيد من الوقت، هذا أكثر من كافٍ لتضع الأساس.
عندما قُلت فكرة، فقد كانت الفكرة التي امتلكُ: “رواية شبيهة برواية “الطريق/The Road” من حيث تنقل الشخصيات بين الأماكن بشكلٍ سريع، هي رواية بقاء، تحاول الشخصيات فيها الهرب من خطر معين والبقاء على قيد الحياة، أعلم أن العالم ما بعد الكارثة، أي أن الكارثة قد حصلت، ولدي فكرة واضحة بشكلٍ كافٍ عن شكل العالم، من حيث المظهر والقوانين، وهذا كل شيء.
– أين المنطلق؟
لا أتحدث هنا عن منطلق رحلة الكتابة نفسها، بل أتحدث عن منطلق رحلة الشخصيات، القصة، الصفحات والفصول الأولى، ربما تمتلك فكرة عامة عن العالم وأحداثًا مشتتة، وهذا ما سيكون عليه الوضع في الغالب، ربما تمتلك فكرة عن النهاية، لكن البداية قد تكون صعبة هي الآخرى.
لديك أكثر من حل، كل قصة بها عقدة، قد تكون واحدة، وهي الحدث المؤثر، وقد تكون مجموعة أحداث، تعقيد الرواية يكون أحيانًا في أنها مجموعة قصص متداخلة، كل شخصية لها قصة، تتفاعل فيها مع بقية الشخصيات، سأخبرك ما اخترته شخصيًا لروايتي، لكن يُمكنك اختيار واحدة من هذه الحلول:
📍 البناء من النهاية للبداية: إن كُنت تعرف نهاية القصة، فضعها كنقطة بداية، وبعدها اصنع الأحداث التي تقود إليها، تخيل لو أن النهاية لا تحتاج لأية أحداث، وأن الشخصيات ستصل لنقطة الإنفراج بسهولة، وابدأ في بناء الأحداث التي تجعل الوصول لهذا الأمر صعبًا، إن كانت الرواية تتطلب ذلك طبعًا، فالنهاية ستكون المؤثر الأكبر، وكأنك تكتبها في الأسفل للأعلى وبعدها تقلب الترتيب لتأخذ النهاية موضعها الصحيح.
📍 البناء حتى العقدة ومن العقدة للحل: من الأساليب المعتمدة في كتابة الرواية، هي تقسيم الرواية لما بين المقدمة والعقدة، بحيث تكون الشخصيات هنا في حالة رخاء، بعدها العقدة، وهي الحدث المؤثر في الرواية، وبعدها تصف تأثير العقدة على الشخصيات. من طرق كتابة الشخصيات مع أحداثها، أن تجعل الشخصية تفقد أمرًا مهمًا أو يكون لها مسعى مهم تُؤثر عله العقدة، وما بعدها إلى النهاية، يكون عبارة عن أحداث متعلقة بتأثير العقدة هذه، والنهاية تكون بأن تصل الشخصية لهذا المسعى أو الهدف أو لا تفعل، وقد تصله وتفقده مرات عديدة خلال الأحداث.
إليك مثال، شخصية تعيش حالة من الرخاء، أو حالة من الاستقرار، تكتشف إصابتها بمرض، لتبدأ رحلة التداوي، تحتاج لمبلغ من المال، فتقرر سرقته، وعندما تفعل، تجد نفسها في صراع أكبر يتسبب به المال، كمطاردة عصابة، فرغم وصول الشخصية لما تبحث عنه، لم نصل لنقطة الانفراج، وسيظل الصراع قائمًا، إلى أن تتخطى الشخصية هذا المشكل أو لا تفعل.
سارت الأحداث بهذا الشكل: استقرار > عقدة (المرض) > الحل (سرقة المال) > عدم انفراج (التورط) > النهاية (إمّا العودة للاستقرار، أو مواصلة الصراع…).
📍 بناء العالم والشخصيات بعيدًا عن الحدث المؤثر: يُمكنك أن تبدأ الأحداث بشكلٍ بطيئ للغاية، حيثُ تُعرف القارئ على بعض الشخصيات الرئيسية، والعالم وقوانينه الرئيسية إن أردت، سيمنحك هذا مساحة كافية للتفكير في العقدة والأحداث المؤثرة، التي قد تكون لك فكرة عنها، وكثيرًا ما ستكون الأحداث المحاكة في وسط القصة أوضح من التي في البداية.
إن اعتمدت حالة الاستقرار التي تسبق العقدة كما في النموذج أعلاه، فقد تكون هذه الحالة بعيدة تمامًا عن العقدة، حيث تصف مرحلة استقرار لا تؤدي بالضرورة بكل ما فيها للعقدة، وقد يكون الوصف هو المؤثر الأكبر فيها.
📍 العقدة مباشرة: لا تُريد الانتظار؟ ضع شخصياتك مباشرة في مواجهة الحدث المؤثر، أو إحدى الأحداث المؤثرة، ليس ضروريا أن يكون بناء الرواية بطيئًا وبعدها مُتسارعًا، اجعل الأحداث تتباطأ لاحقًا أو تتسارع، ضع الشخصيات مباشرة في مواجهة العقدة، في مواجهة الخطر، حدثٍ مؤثر، لو قرأت رواية: الجريمة والعقاب لدوستويفكسي، فهي نموذج جيد لما أقصد.
– مالذي اخترته لروايتي؟
بما أنها رواية بقاء ما بعد الكارثة، وبشخصيات كثيرة، فإن الحدث المؤثر في روايتي قد حصل فعلًا (الكارثة) إلّا أن القارئ لا يملك فكرة عنه، ولا عن الشخصيات فيه، فاخترت ألّا يكون في الصفحات الأولى أي حدثٍ مؤثر متصل بالشخصيات، لكنني بعدما أعرف القارئ ببعض الشخصيات، أضع العقدة بشكلٍ واضح، دون أن أكشف له الكثير عن العالم والحدث المؤثر فيه.
دعني أوضح، العقدة التي تترك التأثير في العالم جزء من الغموض لذا لم أكشفها، أمّا الأحداث المتصلة بالشخصيات، كالموت مثلًا أو الخيانة وغيرها، فظهورها يأتي مباشرة بعد الصفحات الأولى، وعندما تتجمع هذه الأحداث، يُصبح القارئ مهتمًا بالشخصيات وبالعالم على حد السواء، لذا كانت البداية مهمة عندي لأعرف القارئ على بعضٍ من شخصيات روايتي الرئيسية، وعلى بعض قوانين العالم.
يُمكن أن أقول، أن الشخصيات تعيش حالة استقرار حتى بتواجد تأثير العقدة الرئيسية، لكن بعض الشخصيات الرئيسية تعيش عقدة مختلفة حسب مسارها في قصة الرواية.
قد يكون كل هذا مربكًا وأنا أتفهم ذلك، لكن الفكرة من كل هذا، أنك لا تحتاج لاحترام دليلٍ معين للكتابة، فروايتي الأولى عدد شخصياتها الرئيسية اثنان فقط، وقد وضعتُ هدفًا واضحًا بأن يكون عددها كذلك، أمّا روايتي هذه، فلا أعلم كم عدد الشخصيات الرئيسية، ولن أتوقف عن الكتابة لهذا السبب، كما أنني لا أعرف في الغالب الخطوة المقبلة لشخصياتي، وإنما أحركها في اتجاه واحدٍ من الأحداث المؤثرة التي أريد أن أصل إليها بشكلٍ ما، أفعل ذلك بشكلٍ معقول ومقبول، وبشكلٍ لا يُخل بالحبكة ولا يؤذي العقدة والأحداث الرئيسية وبناء العالم.
– شخصياتي تظهر وتختفي حسب الضرورة
شاهدت أفلام الكرتون الهزلية التي عند الحاجة، تَظْهرُ أدوات أو أسلحة عند الشخصيات من جيوبها الخفية أو من خلف الشاشة عندما تحتاجها؟ كلها تظهر خدمة للمشهد وتختفي، الكثير من شخصياتي تفعل الأمر كذلك، تظهر عندما أحتاجها وتختفي عندما لا أفعل، قد تتحول بعضُ هذه الشخصيات لشخصيات رئيسية، وقد تكون شخصيات ثانوية، وقد تكون شخصيات مُساعدة تحل لي واحدة من المشاكل، فإحدى مشاهد روايتي فيها سلخ لحيوان، وعملية السلخ هذه ستخلق عندي مشكلة، فكيف للشخصيات أن تعرف كيفية سلخ حيوان بري، يُمكنني ألّا أذكر ذلك بلا شك، قد ينتبه القارئ لذلك أو قد لا ينتبه، لكن ماذا لو وأنا أصف مشهد السلخ هذا، أتحدث عن الصياد الذي أصاب الطريدة، وعن شخصية ثانوية، تُجيد السلخ، لسبب أحدده، تظهر في المشهد، جاهزة، لا أحتاج لوصفها، ولا لكتابة خلفيتها، ولا علاقتها بالشخصيات، هي هناك وحسب، لأن الأحداث تسمح لي بأن أضعها هناك؟
هذه الشخصية ستخدم ذلك المشهد المحدد وحسب، مع الحرص على أن يكون ظهورها هناك معقولًا ومنطقيا كذلك، بعض المشاهد تسمح بهذه العملية، والكثير منها لا يسمح.
كيف تستخرج شخصياتك من جيبك الخفي عند الحاجة؟
لن أطيل في هذا المقال أكثر، وسأعود لأحدثك عن كيف تسد الكثير من الثغرات في القصة، وتجعل عالمك قابلًا للتصديق بشكلٍ أكبر، بجعل شخصياتك تظهر وتختفي عند الحاجة، ولا، لن تقتلها كاملة 🙂
تابع رحلة كتابتي لرواية وشم الذئب بالضغط هنا.