الفقاعة: كيف جهزت نفسي لاستقبال سنة جديدة (15 يوما)
منذ العام 2015 وأنا آخذ بعض الوقت نهاية السنة للقيام بأكثر من أمرٍ واحد، كانت عادتي قبل ذلك أن أحدد أهداف العام الجديد فقط، لكن بمرور الوقت بدأت أضيف لهذه الفترة بعض الأشياء التي أرى أنها تُساعد جدا على تغيير مسار العام الجديد بشكل كبير، إنها مرحلة أسميها بالفقاعة، لأن الفقاعة شفافة، لا أنفصل بشكل كامل عن العالم الخارجي (أتمنى أن أصل لهذه المرحلة من العزلة) لكنني أخفف تفاعلي مع العالم بشكل كبير، وثانيا لأن الفقاعة تحجزك بشكل نسبي وأي مؤثر خارجي يملك قوة كافية يمكن أن يكسر هذه العزلة، وأعني هنا الأمور المهمة والمستعجلة التي تحتاج لتدخلي أثناء هذه الفترة.
المعنى أنني لا أغلق على نفسي في مكانٍ واحدٍ، ولا ألغي تفاعلي مع الأشخاص أو الأشياء، أستخدم وسائل الترفيه المتوفرة لدي، أستخدم الانترنت والحاسوب وهاتفي، لكن هنالك أشياء تُميّز فترة الفقاعة هذه والتي وجدت أنها تُساعدني على بدئ عامٍ جديد بشكل صحيح، أو على الأقل بشكل أفضل من العام السابق.
أعلم أن المقال قد يكون قد تأخر، لكن هذا ينقلني لأول نقطة، لا يشترط أن تكون هذه المرحلة في نهاية العام تحديدا، يمكن أن تكون في بداية العام الجديد، أو في أي وقتٍ تجد أنك بحاجةٍ لأخذ بعض الوقت لنفسك، إنني أراها كمرحلة إعادة تخطيط وتجديد للنشاط وترتيب للأولويات، أقوم بذلك نهاية السنة لأن هذه العادة مرتبطة لدي مع أكثر من عادة آخرى، وانطلاقا من هذه السنة سأنقل هذه العادة لتكون في منتصف السنة ونهايتها أيضا.
– فقاعة؟
أعلم أن هذا ليس الاسم الأكثر ابتكارا، بل هو اسم مستخدم للحديث عن أكثر من أمر واحد، عندما تشرد فقد يقال أنك في فقاعة، عندما تتعصب لرأيك فقد يقال أنك داخل فقاعتك الخاصة، وأحيانا يقال أنك في فقاعة إذا ما كنت في نجاحٍ مؤقت، لكن في حالتي فأنا أقصد حالة انعزال “جزئي ومؤقت” إنها حالة من التركيز تتغير فيها الأولويات، ويتم توجيه التركيز لأمور مختلفة.
– كم المدة؟
ما تحتاج من وقتٍ، في البداية (نهاية العام 2015) أخذت أسبوعا واحدًا فقط، وبعدها قررت أن يكون الأمر من منتصف شهر ديسمبر إلى بداية السنة الجديدة، والسبب ببساطة أنني وجدت أنني أحتاج لأكثر من أسبوع واحد، وبعد نهاية هذه السنة (2017) رأيت أنه سيكون من الخسارة ألا أستفيد من حالة الفقاعة هذه بجعلها نهاية السنة فقط، لذا قررت أن تكون في منتصف العام أيضا، لكن ستكون هنالك بعض التغييرات منها أنني لن آخذ أكثر من 10 أيام.
– مالذي يحصل؟
يجب أن تعلم أن مرحلة العزلة (جزئية ومؤقتة) خارج نطاق العطل أو فترات الراحة، أي أنني عندما أقرر الدخول في حالة العزلة هذه فأنا لا أبحث عن الراحة، وإنما أغير ببساطة أولوياتي وتركيزي نحو أمورٍ مختلفة عن روتيني المعتاد، وهذا ما أقوم به:
1 – التحضير
قبل تاريخ 15 ديسمبر، ويكون ذلك عادة انطلاقا من تاريخ 1 منه، أحاول إنهاء كل الأعمال التي لدي، سواء أعمالي الشخصية، أو المطلوبة مني، وأي عملٍ غير مستعجل فإنني أقوم بتأجيله للسنة المقبلة، بعدها أراسل كل الأشخاص الذين أعمل معهم، أو أتحدث معهم، وأُعْلِمهم أنني لن أكون متوفرا بدءا من تاريخ 15 إلى ما بعده، وأنني قادر على الرد على الهاتف في الحالات الضرورية، وحسب الشخص إما أنني أسلمه بريدي الالكتروني أو رقم هاتفي، وخلال كل هذه الفترة سأرفض ببساطة كل عملٍ جديد أو خدمة، وأرد أي طلب لا أراه مهما أو مستعجلا بكلمة اعتذار، آخذ الوقت أيضا لأسلم بعض الأشخاص بعض الأشياء التي لها علاقة بعملي المستقل، على سبيل المثال بريد موقعي الذي لن أستخدم طول فترة العزلة.
الفترة التي تسبق العزلة تكون كافية لترتيب كل شيء، وإذا لم أستطع الانتهاء من أمر، فإنني أوقفه ببساطة، تذكر أنه ليس شرطا أن تكون الأمور كما أقوم بها، وأَعلم أن البعض لا يمكن أن يفعل بالمثل لأنه رب أسرة مثلا، أو لأنه يعمل ببساطة، لذا أبقي كل شيء مرنا قابلا للتغيير، أنا هنا أشاركك فقط تجربتي لعلك تجد فيها ما ينفعك.
2 – خلالها
اليوم 15، تأكدت أنني قمت بكل شيء كما يجب، لذا بيوم واحد قبل هذا التاريخ أقوم بتعطيل كل اشعارات هاتفي، بدون استثناء، وألغي اتصالي بشكل كامل بشبكة الانترنت، أي أن هاتفي يتحول لمستقبل للمكالمات والرسائل وسأبقيه بعيدا عني، فلا أجيب إلا عندما أفرغ ممَا لدي، أقوم بإلغاء الدخول من كل مواقع التواصل الاجتماعي على حاسوبي، وبهذا أكون قد عزلت نفسي جزئيا عن العالم الخارجي، وكشخص يعمل بشكل مستقل عبر الانترنت فإنني أستخدم الكثير من وسائل التواصل والمواقع الاجتماعية، لذا هذا لوحده يعطيني الكثير من الوقت ويعزلني بشكل كامل عن المؤثرات الخارجية ولا يكون لهذه المواقع أي تأثير، لن أفكر في الرد على أحد، لن أخطط لأي أمر، وسأربح وقتا إضافيا، هذا بالإضافة لبعض الطاقة وحتى الراحة النفسية، هذا الفعل لوحده له أثر كبير.
– إن كنت قادرا على عزل نفسي عن العالم الرقمي، فذلك غير ممكن في العالم الحقيقي، مازال علي أن أقوم بما تتطلبه مشاغل الحياة، لذا لا أنعزل في غرفتي عن العالم الخارجي، لكن سأقلل من هذا التفاعل على قدر الامكان، ما يعني أن خرجاتي مع الأصدقاء التي أخطط لها شخصيا تعادل صفرا، سأعتذر على قدر الامكان عن أي طلب خارجي يدعوني لأن أغادر البيت، إلا إن كان الأمر ضروريا، وبما أنني لن أحتاج لشراء شيء (خارج الضروريات) فسأربح وقتا إضافيا، لا أنكر أنه سيكون من الرائع الانعزال عن العالم الخارجي بشكل كامل، لكن هذه مرحلة من الصعب الوصول إليها لأسباب عديدة.
– الآن وقد قل تفاعلي مع العالم بشكل كبير، فإنني أمتلك طاقة أكبر، راحتي النفسية ستتأثر أيضا، وسأجد أنني أكثر نشاطا، لأنه نعم، مجرد القيام بما نعتقد أنه روتيني وعادي يأكل الكثير من طاقتنا، ويتبقى علي أن أحول مسار هذه الطاقة والتركيز لنفسي، الغاية من هذا الانقطاع والعزلة ليس الانقطاع والعزلة وحسب، رغم أن هذا لوحده له أكثر من فائدة، لكن أن أولي أكبر قدرٍ من الاهتمام لنفسي.
– تقييم
قبل أن أكتب أي هدف، أو أن أضع أي خطة للعام الجديد، أقوم بتقييم وضعي الحالي، إنها عملية مسحٍ كاملة، لدي مذكرة شخصية أكتب عليها بشكل شبه يومي، تتضمن ما أنجزت وحققت، والمشاكل التي واجهت وما إلى ذلك، لذا بقراءتها أستطيع أن أحصل على لمحة على العام المنقضي، سيمدني ذلك بالمزيد من الطاقة والحماس لأنني أطلع على ما حققت العام الماضي، حتى وإن كانت الكثير من هذه الانجازات صغيرة جدا، كما أن ذلك يعطيني صورة واضحة على كل ما عانيت منه خلال السنة الماضية، ويسهل علي إعادة كتابة أهدافي أو خطة أهدافي بشكل أفضل.
عملية المسح تتضمن وضعي الحالي، سواء الصحي أو المالي أو الاجتماعي، مهاراتي والأشياء التي أتعلم، قد تكون عملية متعبة، لكنها مهمة بشكل كبير لي، لأن هذا ما يجعل أهدافي تتغير بشكل يتلائم مع وضعي الحالي، حيث تتغير أهمية البعض منها، وأعطي أولوية للبعض منها على حساب الآخرى.
– مراجعة الأهداف
أقوم أيضا بمراجعة أهداف السنة الماضية، بعضها لن يتغير حيث لا أكتب أهدافي بداية السنة، وإنما في أي وقتٍ أجد أنه علي وضع هدف، بعض الأهداف أغير على خطة العمل الخاصة بها، فمثلا لن أكتب هذه السنة أي هدفٍ متعلق بالرياضة، وإنما سأغير على خطة العمل بما أنني كتبت الهدف العام الماضي، الأهداف الجديدة تكون غالبا متعلقة بالعمل، كأن أقرأ عددا معينا من الكتب، أو أعمل على عددٍ معين من الفيديوهات على قناتي وما إلى ذلك، أما بقية الأهداف فلا أكتبها حقيقة بداية السنة، إن احتجت أن أعتني بشيء معين وأراه مهما، فلن أنتظر بداية السنة، ستجد أنني وضعته مباشرة على مذكرة أهدافي، وأضع وقتا أضع فيه خطة للعمل على هذا الهدف، ويمكنك أن تلقي نظرة على هذا المقال لتتعرف على الطريقة التي أعتمد شخصيا لتحديد أهادفي.
– تحديد الأهداف
كما ذكرت، نهاية السنة لا أكتب أية أهدافٍ جديدة في الغالب، هنالك أهداف كتبتها قبل سنة، ومازلت أعمل عليها، أعدل فقط على خطة العمل، هنالك أهداف ألغيتها بشكل كامل، لأنه مع الوقت أجد أنها ببساطة لا تملك القيمة التي اعتقدت أنها تملكها، وبعض الأهداف تحتاج لإعادة صياغة أو تقسيم، أمور من هذا القبيل، الأهداف الجديدة في بداية السنة تكون غالبا أهدافا متعلقة بشيء لا يؤثر بشكل كبير على حياتي، كعدد الكتب التي أقرأ، أما ما أراه مهما فأراجعه كل شهر.
– التأمل
أحاول خلال هذه الفترة أن أقوم ببعض تمارين التأمل، التأمل عادة اكتسبتها منذ مدة وحريص عليها، قد أمضي 5 دقائق متفرقة في اليوم فقط وهذا يكفيني، لكن خلال فترة العزلة هذه وبما أنني أملك الكثير من الوقت فإنني آخذ وقتا أطول في التأمل المتواصل، ما يعني أنه يمكن أن أصل لخمس عشرة دقيقة أو ما يقارب النصف ساعة، لا يساعدني ذلك على الراحة وحسب، وإنما بعض الأفكار التي كانت مختبئة للمشاغل الكثيرة تبدأ في الظهور، كما أن الراحة التي تتولد عن ذلك تعطيني مجالا أكبر للتفكير بشكل أفضل، وبالتالي وضع أهدافٍ أفضل ووضع خطة عمل لكل واحدة بشكل أفضل مما إن كنت منشغلا.
– أمور آخرى؟
كما ذكرت، أنا لا أنعزل عن العالم، إنني لا أدخل في حالة قصوى من العزلة والتأمل، ولأن لدي وقتا للقيام بالكثير من الأشياء التي كان العمل والروتين اليومي يأخذها، فسأستغل هذا الوقت للقراءة، أحرص على ألا أقرأ إلا الكتب التي يمكن أن تساعدني على الحفاظ على حالة الايجابية، لذا أختار كتب تطوير الذات، كما أنني لا أطلع على الأخبار ولا أي أمرٍ آخر، وأكتفي بمشاهدة أشياء محددة على الانترنت من قائمتي الشخصية، ذلك لا يترك مجالا للعشوائية، وأي أمور يمكن أن تحبطني أو تحول تركيزي أقوم بتفاديها، يمكن في حالة الملل أن أشاهد فيلما خفيفا، أو أن ألعب لعبة بما أنها هوايتي الرئيسية، لا أقول لا لكل الدعوات من أصدقائي، لذا لا أمانع أن أخرج معهم أحيانا لقضاء بعض الوقت، وطبعا لأسرتي عندي وقت، العلاقات مهمة، والصحة النفسية لها علاقة وطيدة بصحة العلاقات لذا أحرص على هذا الأمر جدا.
يبقى علي قبل دخول العام الجديد أن أعدل على قوائم المهام الخاصة بي (To do List) وأن أضع قائمة بالأشياء التي ربما أحتاج شراءها كمذكرة جديدة وما إلى ذلك، وسأقوم بذلك بداية العام.
– النتيجة؟
حالة السكون هذه لها فائدة عظيمة، ونتائجها جعلتني أخطط لجعلها عادة في منتصف السنة أيضا وليس نهايتها وحسب، الأهداف التي أعمل عليها الآن أفضل بكثير وبالنظر لعدد الأهداف التي حققت فإنني مسرور جدا بما أقوم به وما وصلت إليه، قد تجد أن 15 يوم أو أكثر مدة طويلة، لكن بالنظر لفوائدها فإنني أراها قليلة، ولم أعد أراها اختيارا وإنما حاجة وضرورة، أستطيع خلال هذه المدة أن أجدد نشاطي، أن أكون أقوى، أن أمتلك رؤية أوضح، وأن أوجه أهدافي بشكل أفضل، كما أن الراحة المكتسبة تسمح لي بتجديد صحتي النفسي وايجاد الوقت اللازم لإعطاء فرصة لنفسي بالتفكير بما قمت به وما علي القيام به، لأستفيد مما مررت به من تجارب، وأترك ما يمكن أن يضرني في الماضي، السنة الجديدة تعتبر فرصة جديدة لأصبح أفضل، وأنا حريص على أن أغتنم هذه الفرصة بئلا تنتهي السنة إلا وأنا أقوم بالأشياء بشكل أفضل، ومسرور جدا أن العام الماضي لم ينتهي إلا ومشروع شانية قد رأى النور، ومن خلاله أستطيع أن أشارككم بكل هذا.
أتمنى لك عزيزي القارئ سنة مليئة بالنجاح، اجعلها كذلك بالعمل، وستكون أفضل، ستكون هنالك لحظات من الحزن، والتعب والألم، لكن الحياة مبنية على ذلك، المهم أن تختار أن تُبحر نحو الأفضل.