مما قرأت | النص الفلسفي الحديث: قراءة جيل دولوز المعاصرة
د. حيدر عبد السادة جاسم الدبيسي
من الجميل أن يكون الفيلسوف على قدرٍ من التنوع والمرونة والجدة، لدرجة يكتب المؤلفون عن قراءاته للفلاسفة، ويبدو أن في دولوز سمة خاصة جعلت الغاية من هذا الكتاب مُبررة، وهي قيام فلسفته في الاختلاف والتكرار على التوافق مع بعض الفلاسفة والتناقض مع آخرين، بمعنى أنه استنطق نصوص العديدين ووقف على المفاهيم التي ابتكروها، ليُبرز تياره الخاص المرتبط بما سبقه، خاصة مع سبينوزا الذي انصهر معه وتحدث بلغته.
الحقيقة أن القراءة لدولوز ماتعة للغاية، وهو ما أشار إليه الكتاب، إلا أن المرء يجب أن يطلع أولاً على الفلاسفة الذين تناولهم دولوز في كتبه أولاً، ليتمكن من تقييم قراءة الكاتب، الدبيسي، لقراءة دولوز المتعلقة بهؤلاء الفلاسفة.
إن القراءة الدولوزية هي قراءة مُخادعة ومؤوِّلة تستهدف استنطاق الفلاسفة عما لم يصرحوا به، فهو يعمل لهم كما قيل، ولادة مع الظهر، أي غير شرعية، فهي تستنطقهم معاني جديدة غير معهودة لدى أرباب تاريخ الفلسفة
فقد بيَّن الدبيسي انتزاع دولوز للمعاني من نصوص فلاسفة توافق معهم (كنيتشه وسبينوزا وبرغسون وهيوم) وفلاسفة تناقض معهم (كهيجل وديكارت وكانط وليبنتز)، ووقف على سمات القراءة الدولوزية التي تؤوِّل المعنى ضمن آفاق جديدة في كل مرة، فلا يفقد النص قدرته التأويلية لديه، بل إنه في كل مرحلة تاريخية يكتسب بعداً جديداً يدعم وجوده، وبمعنى آخر، آمن دولوز بأن تاريخ الفلسفة هو الفلسفة بعينها، وأن الفلسفة لا تستند إلى مفهوم الزمان الخطي، بل ربما ترى الزمان .. دائرة (وهذه من عندي).
يقول الدبيسي في النهاية: “مع هذا، يبقى النص الدولوزي صعباً ومراوغاً ومتشابكاً ومترحلاً في فهمه، لأن أيَّ قراءة هي بطبيعتها خائنة ومتأولة للنص المقروء، فالنص الدولوزي ظاهرهُ الكلاسيكية وباطنهُ التأويلية، وينجرُّ حسب نسقاً أنشئ لبيان مضمونه، مع وجود مساحة للأخذ والرد فيه، وهذا بسبب طبيعته التي شُكل من خلالها”
💬 (أضفتُ في الاقتباسات علامات الترقيم التي أجدها ضرورية للقراءة، فالكتاب مفتقر إليها بشدة).