مما قرأت | الفلسفة والتجديد: التحيز الأيديولوجي، العلمانية وتشظي الهوية
تأليف: علي عبد الهادي المرهج
كتابٌ جيد، لا بأس به، طرح موضوعه بأكثر الطرق إيجازاً وبساطة واختصاراً، ووضع فيه الكاتب ما كان أشبه “بخلاصة” فِكره، أي الأفكار الرئيسية التي يخرج بها المرء عادة بعد سنينٍ من القراءات التفصيلية المطولة، لذلك أنصح به قراء علم الاجتماع والفلسفة والأنثربولوجيا وعلم النفس.
تُعبر هذه المراجعة عن رأي كاتبتها وتختلف في التنسيق عن مراجعات الموقع الرسمية.
بدأ الكاتب أولاً بالتمييز بين الفكر الفلسفي ونظيره الأيديولوجي، مثبتاً أن للفكر الفلسفي خواص الحرية والانفتاح والسؤال المتجدد، وللفكر الأيديولوجي خواص الانغلاق واحتكار الحقيقة ومنع الشكوك، وتحدث عن الأيدلولوجية العربية الإسلامية التي حولت الدين إلى فكر مسيِّس منغلق، يرفض الاختلاف ويقصيه، مشيراً إلى محاولات الإصلاح المستمرة على طول الزمان، والتي ظهرت في البيئة العربية، لتدارك وقوع العقلية العربية الإسلامية في أحضان الجهل، إلا أنها كانت محاولات منقوصة القوة والتمكين، لمعارضتها التيارات السياسية التي امتلكت السلطة، وحاربتها في مهدها.
كما انتقد الكاتب العديد من محاولات الإصلاح، خاصة في بوادر النهضة العربية المجهضة، مشيراً إلى أن أية عملية إصلاح يجب أن تستند إلى شخصياتٍ حُرة متمكنة ذات ثقافة واتجاه إنسانيين، وإلى اتجاه ديموقراطي متين وحرية سياسية كافية، وعدالة اجتماعية ترفع الاستبداد عن المجتمعات.
ونتيجة هذا الإجهاض السريع، فقد ظلت المجتمعات العربية إلى اليوم حبيسة أنوية منغلقة على ذاتها، واقعة تحت الاستبداد والقهر والهدر اليومي لوجودها، رغم محاولات التجديد المستمرة حتى اليوم، والتي تحاول تجاوز التراث ونقده والانطلاق منه لآفاق عديدة تنتظرنا.
كما تحدث الكاتب عن السلطات السياسية التي تحارب الفلسفة، لتحريرها عقول العامة وتزويدهم بالملكات الذهنية الخاصة بالنقد والتفكير الحر، وعن ضرورة فتح المجال أمام العقول الحرة لتمكين نفسها وإخراج المجتمع من هذه الهوة العميقة، وتناول العولمة المدعومة بالتيارات الاقتصادية والثقافية والعلمية، وحاجتنا إلى هوية عربية تعبر عنا وعن ثقافتنا، لمواجهة تحولنا جميعاً إلى الثقافة الأمريكية السائدة، والتي لم تفلح في وطنها الأم في حل المشاكل الكبرى، كالقطاع الصحي والتعليمي والسياسي.
* صورة لكتاب الفلسفة والتجديد من التقاط المراجعة
أما في حديثه عن الأنا والآخر، فقد تناول الكاتب تأريخاً موجزاً لصورة العرب لدى الغرب وصورة الغرب لدينا، متناولاً شتى التناقضات والصور الذهنية المسيئة لكلا الطرفين، مشدداً على ضرورة فتح الأفق والسماح باتساعه لرؤية الآخر كما هو، بخصائصه الجيدة والسيئة، ورؤية الذات العربية كما هي، لإدراك أهم ما يعترينا والبدء بمحاولة إصلاحه.
وفي حديثه عن القومية العربية، فقد تحدث عن الكيان الصهيوني الذي يهددها، والذي بات اليوم طاغياً عليها، مشيراً إلى أن القضية الفلسطينية قضية العرب جميعاً، لأن وجود الكيان المحتل في قلب الوطن العربي لن يدع المجال لظهور قومية عربية خاصة، وتمكن عربي من الثروات والموارد والثقافة والعلوم.
رغم الحديث العام الذي اتسم به الكتاب، وإيجازه الكثير من المسائل المعقدة، إلا أنني رأيته جيداً، ومناسباً للمبتدئين في هذه القراءات، فلغته بسيطة وطرحه سلس، ولا بأس به كمقدمة قصيرة ينطلق منها القارئ لفهم كتبٍ أكثر تعقيداً وتفصيلاً.