قراءة موجزة لكتاب: الذاكرة والسرد: حوارات
تأليف: بول ريكور
“كيف يمكن أن تساعدنا ’أخلاق النقاش‘ على الغفران والنسيان؟”
من الأفضل دائماً أن تُعطى فرصة للغضب والكراهية أن يعبرا عن أنفسهما بدلاً من قمعهما. وأمر طيب أن تظل جراح التاريخ مفتوحة للنقاش. وهناك شيء صحي، حقيقة، في التعبير عن الغضب. وبالتأكيد أمرٌ سيء أن تقمع الشكوى. فالتعبير والنقاش طريقتين من طرق العلاج. ويعتمد التحليل النفسي، بالتحديد، على الوظيفة التعبيرية للغة. ويجبرنا الاستماع إلى صرخات هؤلاء الناس على مواجهة سوءات أفعالنا، وبذلك نكون قد خطونا أول خطوة باتجاه الغفران. علينا أن نثق في اللغة بوصفها سلاحاً ضد العنف. بل أفضل سلاح لدينا، حقيقة، ضد العنف
– الذاكرة والسرد: حوارات – بول ريكور
كتاب جيد يوضح فيه ريكور توجهاته الفكرية حول الهويات والسرد الثقافي والذاكرة الجمعية للشعوب وغيرها، كان على شكل أسئلة وأجوبة متتابعة، وفصول مقسمة حسب مواضيع الحوار.
من المثير للفضول التعرف على رؤية بول ريكور إلى السرد، من حيث أنه الطريقة التي نحكي بها قصصنا عن أنفسنا، وعن ماضينا والمحيط الذي نعيشه والمعتقدات التي نؤمن بها، لدرجة ربطه بالاستيعاب الذهني الذي يشتغل عبر السرد اللغوي لماضي الأحداث وحاضرها، ما يجعلنا أكثر قدرة على تحمل المآسي المحيطة بنا، أو مآسينا الخاصة، إن وضعت في قالب سردي بارع.
وللقوة التي يملكها السرد على الفرد والمجتمع، فإن جهاتٍ عديدة تحاول احتكاره ورواية الأحداث من منظورها، للسيطرة على اللاوعي الجمعي للشعب وإقناعه بالرؤى التي تخدمها.
كما يشير إلى قدرة السرد اللغوي على استنطاق الممكنات الإنسانية وإخراجها إلى حيز الوجود، ودفع الفرد الخلاق إلى آفاقٍ لغوية مجازية تستنهض منه دوره الفاعل في محيطه.
ويتحدث عن الذاكرة وامتزاجها بالقدرات الخيالية الخلاقة لدى الفرد، ما يجعل من الصعب رواية الأحداث كما هي، أو كما حدثت واقعاً، لأن الشاهد عليها سيستعين بخياله بالضرورة لسرد تجربته، وهنا يشير الكاتب إلى “الأنوية الخفية” التي يدور المجتمع في فلكها، والمتمثلة في الأساطير والمعتقدات والمجاز الذي تتعلق به أرواح الأفراد، وضرورة تناولها بالنقد الموجه لنمتلك القدرة الهامة والضرورية للفصل دائماً بين الخيال والسرد الواقعي.
كتاب جيد ونافع، لا بأس به.